الخنساء

 

الخنساء في الجاهلية

هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد من قبيلة بني سليم . كان أبوها سيد قومه و صاحب الكلمة فيهم ، فنشأت في بيت من الحسب و النسب الرفيع . شقيقها هو معاوية ، و أخوها لأبيها هو صخر صاحب المرثية الشهيرة ” أعيني جودا و لا تجمدا .. ” . ولدت قبل الهجرة بما يزيد على خمسة و أربعين عاما . سميت تماضر لأنها ولدت بوجه منير كأنه اللبن الماضر في نصاعته و بياض لونه ، و لقبت بالخنساء تشبيها لها بالظبية ، يتأخر أنفها قليلا للوراء فيزيدها حسنا و جمالا . و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم غذا استنشدها الشعر قال ” إيه يا خناس ” أي زيدينا .

تقدم لخطبتها سيد “بني جشم “  و فارس قبائل “هوازن ” دريد بن الصمة ، و لما كانت الخنساء قوية الشخصية فقد ملكها أبوها أمرها لتقرر أتقبله أم ترده ، فاختارت أن ترده مفضلة أن تتزوج أحد بني عمها ، فاغتاظ بن الصمة و راح ينفس عن غيظه بهجائها ، و لما سمعت مقالته فيها أبت أن ترد عليه بالمثل ، و قالت : ” ما كنت لأجمع عليه أن أرده و أن أهجوه ” .

و لتقطع ألسنة المتحدثين ، عجلت بالزواج من رواحة السلمي . و لكن الزواج لم يكلل بلامجاح ، فافترقا ، و كانت ثمرة ذاك الزواج ابنهما ” أبو شجرة ” . ثم تقدم لها ابن عم آخر اسمه مرداس بن ابي عامر، يفصل الآخر فياة هانئة ، و أنجبت له من البنين : العباس و يزيد و عمر و سراقة ، وعمر ، و بنتا واحدة هي عمرة . ثم توالت الابتلاءات تباعا عليها فرزءت بوفاة والدها ، ثم زوجها ، و تبعهما أخوها معاوية ، فرثته قائلة :

و زال الكواكب من فقده        و جللت الشمس أجلالها

( أي غطيت بحجابها )

ثم مرض أخوها الثاني صخر مرض الوفاة ، فشغلت به ، ومما زاد همها عليه موقف زوجته سلمى منه ، إذ لما مرض صارت تتبرم من خدمته و تقول إذا سئلت عنه : ” لا هو حي فيرجى ، و لا ميت فينعى ، لقينا منه الأمرين ” . و ازداد صخر هما إذ وجد أمه تعنى به في حين أهملته زوجته بالكامل ، فأنشد يقول :

أرى أم صخر لا تمل عيادتي         وملت سليمى مضجعي و مكاني

و أي امرئ ساوى بأم حليلة          فلا عاش إلا في شقا و هوان

(الحليلة : الزوجة)

ولما توفي أنشدت الخنساء في لوعة تقول

أعيني جودا و لا تجمدا              ألا تبكيان لصخر الندى

ألا تبكيان الكريم الجميل             ســاد عشيرته أمردا

إسلام الخنساء

لما أرسل بنو سليم وفدا لمقابلة الرسول صلى الله عليه و سلم ، لم يجدوا أشعر من الخنساء لتصحبهم كشاعرة و خطيبة . فلما قدم الوفد على الحبييب ، طلب إلى الخنساء أن تنشده شيئا من شعرها في صخر ، فطفقت تردد عليه أبياتها فيه و هو يستزيدها ” هيه يا خناس ” . ثم أسلمت مع قومها في عام الوفود و هو العام التاسع للهجرة .

___________________

في خلافة عمر الفاروق :

ذهبت مع أبنائها الأربعة إلى فارس لتشارك في الفتوحات ، ثم انضمت إلى جيش المسلمين في القادسية ، و على رأسه سعد بن ابي وقاص . و قبل بدء المعركة جمعت أبنائها ، و كان مما قالت لهم : ” أي بني ! إنكم أسلمتم طائعين ، و هاجرتم مختارين ، و إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ، ما خنت أبكم و لا غبرت حسبكم . و قد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين ، و اعلموا أن الدار الباقية خير منالفانية لقوله تعالى ۞  يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم ترحمون ۞  ، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ، و بالله على أعدائكم مستنصرين … “

و لما تكشفت المعركة في اليوم التلي عن استشهاد ابنائها الأربعة أجمعين ، قالت مقولتها المشهورة : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، و أرجو أن يجمعني الله بهم في مستقر رحمته .

و لم ترثيهم أو تنتحب عليهم كما فعلت أيام الجاهلية حين قتل أخواها . فلما تساءل الناس عن هذا ، عجبت لهم و قالت : الشهيد لا يبكى ! أبنائي لم يموتوا و إنما هم أحياء عند ربهم يرزقون “

و أجرى عليها أمير المؤمنين عمر أرزاق بنيها الأربعة من بيت مال المسلمين ، كما لو كانوا أحياء معها تكريما لها . و توفيت في خلافة عمر بعد أن أوصت ابنتها عمرة ألا تبكيها و لا ترثيها بالشعر .

لله درها .. أي أم كانت !!!

__________________

ملخص من

قصة (الخنساء)

 

سلسلة (مسلمات خالدات في ميدان التضحية و الفداء )

تأليف ( يوسف الحمادي )

 

أضف تعليق