ضرائر في بيت النبي!

لطائف من  البيت النبوي (4)

 

 

بين الضَّرَّات .. نعم الخلق !!

 

 

بين أكثر زوجتين متنافستين من أزواج الحبيب و أكثرهن غيرة من بعضهما ، السيدة عائشة و السيدة زينب بنت جحش ، نسلط الضوء على موقف لكل منهما ، كلاهما أجل من أن يعقب عليه !

 

أثنت زينب على عائشة أم المؤمنين خيراً ، عندما استشارها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادث الإفك ، ففي الحديث قالت السيدة عائشة : ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري ما علمت؟ أو ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيراً )

 قالت عائشة : ( وهي التي كانت تساميني –  تدانيني في المنزلة وتفاخرني – من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ) رواه البخاري و مسلم .

 

وقد أحسنت عائشة رضي الله عنها في الثناء على زينب إذ قالت : ( ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب ، وأتقى لله ، وأصدق حديثاً ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة ، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى.

وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على كثرة تصدقها وكنَّى عن ذلك بطول يدها، فعن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسرعكن لحاقاً بي أطولكنَّ يداً ، قالت : فكنَّا نتطاول أينَّا أطول يداً ، فكانت أطولنا يداً زينب ؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق ) رواه البخاري و مسلم

 

قل الحق و لو على نفسك ، و اصدق القول ولو عن عدوك ( أو من بينك و بينه شئ )

 

أتجادلينني يا امرأة ؟؟

لطائف من  بيت النبوة (3)

 

أتجادلينني ؟؟

 

مع السيدة حفصة رضي الله عنها ، إذ كانت تكثر من نقاش الحبيب لحبها للعلم ، و لم يحدث مرة أن قال لها : كيف تجرؤين على مناقشتي ؟؟ و لو قالها عليه الصلاة و السلام لصدق ، وهو الذي لا ينطق عن الهوى .

____________

ونلمس ذلك من أسئلتها التي تلقيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم استفهاماً للحكمة واستيضاحاً للحقيقة ، فمن ذلك أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلا من أهل مكة ، حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم ، فرجع من كان إمامهم لينظر ما فعل القوم ، فيصيبهم مثل ما أصابهم ) . فقالت : يا رسول الله ، فكيف بمن كان منهم مستكرها ؟ ، فقال لها : ( يصيبهم كلهم ذلك ، ثم يبعث الله كل امرئ على نيته ) .

____________

وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنى لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحداً شهد بدراً والحديبية ) ، فقالت : ( أليس الله عز وجل يقول : { وإن منكم إلا واردها } ، فأجابها : { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا } ( مريم : 72 ) . يقول الإمام النووي معلّقا : ” فيه دليل للمناظرة والاعتراض ، والجواب على وجه الاسترشاد ، وهو مقصود حفصة ، لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه وسلم ” .

____________

ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة قالت له : ما يمنعك يا رسول الله أن تهلّ معنا ؟ ، قال : ( إني قد أهديت ولبدت ، فلا أحل حتى أنحر هديي ) .

_____________

قال الحبيب المصطفى عند السيدة حفصة ذات مرة : لا يدخل النار إن شاء الله من اصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها .

قالت : بلى يا رسول الله . فانتهرها ( يقصد ألا تتكلم بغير علم أو دليل )

فقالت : “و إن منكم إلا واردها ” (مريم)

فقال : قد قال الله عز وجل ” ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا ” ! 

النبي الفارس والزوج الشهم

لطائف من البيت النبوي (2)

 

ذلك فضل الله !!!

لما حج رسول الله صلى الله عليه و سلم ، برك في الطريق جمل السيدة صفية بنت حيي بن أخطب ، و كانت من أحسنهن ظهرا – أي جملا – ، فبكت ، فجاءها الحبيب المصطفى لما سمع بذلك ، و ججعل يمسح دموعها بيده و جعلت هي تزداد بكاءا وهو ينهاها ، فلما أكثرت نهرها و أمر الناس بالنزول فنزلوا ، و ضرب خباء الحبيب و دخل فيه ، فخشيت السيدة صفية أن يكون قد وجد في نفسه عليها ، فسارعت إلى السيدة عائشة و قالت لها : تعلمين أني لم أكن أبيع يومي من رسول الله بشئ ابدا ، و إني قد وهبت يومي لك على أن ترضي عني رسول الله .

 

فما كان من السيدة عائشة رضي الله إلا أن وافقت ، و سارعت إلى خمار لها فرشته بالزعفران ، ثم لبست ثيابها و انطلقن من فورها إلى خباء الحبيب ، فلما رفعت طرف الخباء قال لها : ما لك يا عائشة ؟؟ إن هذا ليس يومك ؟

فابتسمت رضي الله عنها و قالت : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء !!!!

_______________

شيم فرسان أم خلق أنبياء !!!

كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفرش عباءته على الأرض ، و يضع ركبته للسيدة صفية لترقى لبعيرها ، فكانت تضع ركبتهاعلى ركبته حتى تركب !!

_______________

و يمزح معهن !!!

 

أتت السيدة عائشة النبي صلى الله عليه و سلم بطبخة طبختها له و عنده السيدة سودة بنت زمعة ، فقالت لها : كلي ، فأبت السيدة سودة ، فقالت : كلي أو لألطخن وجهك ! فأبت فما كان من السيدة عائشة إلا أن قامت و لطخت وجهها !!! فقرب الحبيب الصحيفة للسيدة سودة و أعطاها الإذن ! فقامت تلطخ وجه السيدة عائشة و الحبيب يضحك – عليه أكرم الصلاة و أجل التسليم !!!

إنى أغار!

لطائف من بيت النبوة (1)

إني غيرى !!

 

مما اشتهرت به أمنا السيدة عائشة غيرتها الشديدة على الحبيب المصطفى ، فكيف كان حلم الحبيب معها ؟؟

 

 

خرج الحبيب المصطفى من عند السيدة عائشة رضي الله عنها ليلة ، قالت : ” فغرت عليه ، فلما جاء  ، رأى ما أصنع ” ، فابتسم الحبيب و قال : أغرت يا عائشة ؟؟ فقالت : ” و مالي لا يغار مثلي على مثلك ؟! ” .

 

 

 

و روي أنه لما أرسلت السيدة صفية إلى الحبيب – وهو في بيت السيدة عائشة – طعاما ، تقول السيدة عائشة : و كانت تجيد صنع الطعام . فأخذت الغيرة السيدة عائشة فكسرت لها القصعة !!! فلما لم ينهرها الحبيب شعرت بالندم فقالت : يا رسول الله ما كفارة ما صنعت ؟؟ فابتسم الحبيب الغالي أكرم الخلق عليه الصلاة و السلام و قال : إناء بإناء و طعام بطعام .

 

 

و في مرة أخرى أرسلت إحدى زوجات النبي الحبيب – اختلف من هي – إليه طعاما في إناء في يوم السيدة عائشة ، فغارت السيدة عائشة فضربت يد الخادم فانكفأ الإناء و انفلقت الصحيفة نصفين ، و كان أصحاب الحبيب جلوسا ، فما زراد أكرم الخلق على أن جعل يجمع الطعام في الجزئين المكسورين و هو يقول : كلوا ! قد غارت أمكم !!! ثم دفع إلى الخادم قصعة سليمة و احتفظ هو بالمكسورة !!!

 

ولعلم الناس بمكانة عائشة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانوا يتحرّون اليوم الذي يكون فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – عندها دون سائر الأيّام ليقدّموا هداياهم وعطاياهم ، كما جاء في الصحيحين.

 

وعندما خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – في إحدى الليالي إلى البقيع ، ظنّت أنّه سيذهب إلى بعض نسائه ، فأصابتها الغيرة ، فانطلقت خلفه تريد أن تعرف وجهته ، فعاتبها النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال لها : ( أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ ) رواه مسلم .

 

و ما كانت رضي الله عنها تسرف في غيرتها إلا و هي تعلم ما لها من الدالة عنده عليه الصلاة و السلام ، فهي من شهد لها النبي – صلى الله عليه وسلم – بالفضل ، فقال : ( فضلُ عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام ) متفق عليه .

 

 

 

ومن فضائلها كذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – لها : ( يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام ، فقالت : وعليه السلام ورحمة الله ) متفق عليه .

 

 

 

و من عظيم حلم الحبيب و صبره و حبه و كرم خلقه ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها مما يدلّ على ملاطفة النبي – صلى الله عليه وسلم – لها فقالت: ( والله لقد رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقوم على باب حجرتي ، والحبشة يلعبون بالحراب ، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه ، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ) رواه أحمد

 

و في رواية أنها ظلت تسند رأسها على ساعده ، و الحبيب يسألها : أفرغت ؟ أشبعت ؟ و هي تقول : لا . فتقول : و لقد مللت و إنما أردت أن أنظر مكانتي عنده !!!

 

فما بال الزوج يتكثر على زوجته أن تختبر حبه لها ؟؟ أهو أحسن من خير البرية و صفي الله تعالى و نبيه ؟؟

 

و إذ وصلنا هذه النقطة ، يحضرني ما قرأته للدكتور أكرم رضا في كتابه ” أوراق الورد و أشواكه في بيتنا ” ، يعقب على ضيق الأزواج بكثرة إلحاح أزواجهن : أتحبني ؟؟ فيقول : “إن الرجل يهمه المنظر و يقدره ، أما المرأة فوقع الكلام عندها أهم ، أي أن تصرح لها بكلمة : أحبك ، أثمن عندها من باقة ورد تضعها على الطاولة !”

 

و لئن كان من الرجال من يراه نقصا في رجولته المزعومة ، أو يستخذي أن يمسك يد زوجته مثلا خشية ضياع هيبته – المزعومة كذلك – أمام الناس ، فأمامكم  أعظم البراهين من أعظم الرجال و أكملهم ، بل أعظم الخلق .

 

و لما روي أن زوجة عمر بن الخطاب راجعته يوما – أي جادلته في أمر – غضب و نهض إليها فقالت : ما تنكر ان أراجعك و ابنتك تراجع النبي !! فقام عمر من فوره إلى ابنته حفصة و قال : يا عدوة نفسها أتراجعين رسول الله ؟ فقالت : و مالي لا أراجعه و أزواجه كلهن يراجعنه ؟؟!!! فقال : و تهجره – أي تخاصمه – إحداكن إلى الليل ؟؟ قالت : نعم !!! قال : قد خاب من فعل ذلك منكن و خسر .

صحيح أن الأحاديث كثيرة في طاعة الزوج و استرضائه و عدم البيات ليلة و هو غاضب على زوجته ، و لكننا نرى من الحبيب المصطفى التفهم و التقدير ، فالمسألة ليست حسبة بالورقة و القلم – أو القلم و المسطرة ! – و إنما استرضاء و محبة و تواد و رحمة من الطرفين .

 

إنها شركة و رحمة و ليست معركة قصاص !!!

النبي يضحك !!

صفة ضحك النبي صلى الله عليه و سلم

 

كان جل ضحك الحبيب عليه الصلاة و السلام التبسم ، و إن زاد فحتى تبدو نواجذه (أضراسه) و كان ضحكا به وقار دون قهقهة أو إصدار أصوات عالية أو التلويح باليدين .

 

و لم يكن الحبيب المصطفى متجهما و لا عبوسا بل كان طلق الوجه و كان أكثر الناس بشرا و انبساطا على كماله و مثاليته عليه أفضل الصلاة و أجل التسليم .

 

عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : ” أتى رجل النبي صلى الله عليه و سلم فقال : هلكت ، قال : ما شأنك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، قال : فهل تجد ما تعتق به رقبة ، قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : اجلس . فأتى الحبيب المصطفى بعرق فيه تمر فقال : تصدق به ، فقال : يا رسول الله على من ؟ و الله ما بين لابتيها (أي ناحيتي المدينة) أهل بين أفقر منا !!!! فضحك الحبيب حتى بدت ثناياه و قال : فأطعمه إياهم .

 

و عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – : أن أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهوم فابوا أن يضيفوهم ، فلدغ واحد منهم (من أهل الحي) فقالوا لأصحاب رسول الله عليه أفضل  الصلاة و أجل التسليم : هل فيكم راق ؟ فقال رجل منهم : نعم ، فأتى صاحبهم فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ ، فأعطوه قطيعا من الغنم ، فأبى أن يقبل حتى يأتي النبي ، فقال له : يا رسول الله و الذي بعثك بالحق ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب ، فضحك الحبيب أكرم الخلق عليه الصلاة و السلام و قال : وما يدريك أنها رقية ، خذوا و اضربوا لي بسهم معكم .

 

و عن عمرو بن العاص – رضي الله عنه _ قال : لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم عام ذات السلاسل قال : احتلمت في ليلة شديدة البرد ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح ، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك ، فقال : يا عمرو صليت بأصحابك و أنت جنب (بضم الجيم و النون ) ، قال : نعم يا سول الله ، إني احتلمت في ليلة شديدة البرودة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك (بكسر اللام) و ذكرت قول الله تعالى : ( و لا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما ) قتيممت ثم صليت ، فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يقل شيئا .

 

(قال ابن حجر : و في الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك لأجل برد أو غيره ، و جواز أن يؤم المتيمم المتوضوء ، و جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم )

 

و عن عائشة رضي الله عنها أن رسول اللهه صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك أوخيبر راى بين لعبها فرسا له جناحان فقال : ما هذا ؟ فقالت –رضي الله عنها- : فرس ، قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان ، قال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة ؟ قالت : فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى رأيت نواجذه  .

 

و عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – في غزوة الطائف ، قال : لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف قال : إنا قافلون غدا إن شاء الله (أي راجعون) ، فقال ناس : لا نبرح أو نفتحها . فقال : فاغدوا على القتال ، فغدوا فقاتلوا قتالا شديدا و كثر فيهم الجراحات ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنا قافلون غدا إن شاء ، فسكتوا فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم .

 

و عن سعد بن أبي وقاص : استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه و سلم و عنده نساء من قريش يكلمنه علية أصواتهن فلما استأذن عمر –رضي الله عنه – قمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله و هو يضحك ، فقال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله ، فقال : عجبت من هؤلاء التي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب ، فأقبل عليهن عمر مغضبا و قال : يا عدوات أنفسهن ، تهبنني و لا تهبن رسول الله ؟ فقلن : أجل أنت أفظ و اغلظ من رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : و الذي نفسي بيده يا عمر ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا (طريقا) غيره .

 

 

الحبيب يمزح – عليه الصلاة والسلام

الحبيب المصطفى يمزح مع أصحابه

إن الإسلام دين واقعي لا يحلق في أجواء الخيال و المثالية ، ولكنه يقف مع الإنسان على أرض الحقيقة و الواقع ، و لا يعامل الناس كأنهم ملائكة و لكنه يعاملهم كبشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، فلا يطلب منهم أن يكون كل كلامهم ذكرا ، وكل سماعهم قرآنا  ، و كل فراغهم في المسجد ، و إنما اعترف بفطرتهم التي فطرهم الله عليها .

 

و حياة حبيبنا المصطفى عليه أكرم الصلاة و أجل التسليم مثال للحياة المتكاملة من كل نواحيها ، فهو  في خلوته يصلي و يطيل الخشوع  ، و لا يخشى في الحق لومة لائم ، و لكنه مع الناس بشر سوي ، يحب الطيبات و اليسر  في الأمور و يبش لأصحابه و يمزح و لا يقول مع ذلك إلا حقا .

 

عن عبد الله بن الحارث قال : ” كان رسول الله يصف عبد الله و عبيد الله و كثير بن العباس ثم يقول : من سبق إلى فله كذا و كذا ، فيتسابقون إليه فيقعون على ظهره و صدره فيقبلهم و يلتزمهم ”

 

يا حبيبي يا رسول الله

لله ما أعظمك ! ما أحلمك ! ما أرحمك !

و ما رحمتك إلا بعض من رحمة الرحمن ، فتأملوا أحبتي في الله ..

 

و عن صهيب – رضي الله عنه  قال ” أنه كان يأكل التمر و به رمد ، فقال له رسول الله : أتاكل و أنت أرمد ؟ فقال : إنما آكل بالشق الآخر ( أو أمضغ من ناحية أخرى ) فضحك الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة و أجل التسليم .

( و كان صهيب رضي الله عنه بعينه رمد ، و كان الشائع أن التمر مضر للعين الرمداء )

و عن حميد الطويل ، عن ابن أبي الورد ، عن أبيه قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم ، فرآني رجلا أحمر ، فقال : ” أنت أبو الورد “

و عن عوف بن مالك الاشجعي أنه دخل على رسول الله و هو جالس في قبة ضغيرة في غزوة تبوك ، فأطل برأسه و سلم ، فرد الحبييب السلام و قال : ادخل ، فرد عوف ممازحا : أدخل كلي ( أي بكل جسمي ) يا رسول الله ؟ فتبسم الحبيب و قال : كلك .

 

و عن أنس رضي الله عنه أن النبي قال له : يا ذا الأذنين ، يمازحه فما من إنسان إلا و له أذنان .و

 

وكان الحبيب المصطفى ينادي الشيدة عائشة رضي الله عنها : يا عائش

بل قال لها ذات يوم : إني لأعرف إن كنت علي غضبى أم راضية

قالت متعجبة : و كيف ذاك

رد الحبيب : إن كنت علي راضية قلت (لا و رب محمد ) ، و إن كنت غضبى قلت ( لا و رب إبراهيم )

فقالت : إي و الله ، ما أهجر إلا اسمك .

 

 

و كانت رضي الله عنها تسأله : كيف حبك لي ؟

فيقول الحبيب المختار : هو كالعقدة فالحبل

تقوا : فأنتظر زمنا ثم أسأله : كيف حال العقدة ؟

فيضحك الحبيب و يقول : هي على حالها

صلى الله عليك و سلم يا حبيبي يا رسول الله

______________________

من كتاب صفة ضحك و بكاء النبي \ أحمد مصطفى قاسم الطهطاوي

ملخص برنامج أصل الأخلاق الشجرة الطيبة للجفري

https://guidanceforall.wordpress.com/wp-content/uploads/2011/05/d985d988d8acd8b2-d8add984d982d8a7d8aa-d8add98a-d981d98a-d982d984d988d8a8d986d8a7.docx

أحبه ! هـل أنـا مخطـئـة ؟؟

سلسلة زهور حائرة (1)

 

 

أحبه ! هـل أنـا مخطـئـة ؟؟

 

 

في إحدى أوقات الاستراحة ، كنت أقرأ كتابا حين فوجئت بفتاة تدفن وجهها بين دفتي صحيفة متظاهرة بقرائتها تجلس بجانبي ، عدت إلى كتابي أستكمل ما بدأت و إذا بصوتها يناديني في همس : ” بسسسس .. “خادمة الإسلام ” ! ” التفت فإذا هي صديقتي زهرة ! قلت متعجبة : ” زهرة؟!” ، فسارعت تهمس و هي لا زالت تخفي وجهها بالصحيفة : ” لا لا تلتفتي ، حديثيني و أنت تنتظرين أمامك ! ” نظرت أمامي ، ثم ملت عليها قليلا و همست بدوري : ” ماذا هناك ؟؟! ” قالت : ” لا ليس هكذا ، لا تميلي علي ! ” عدت فانتصبت في جلستي ، و نظرت بمؤخر عيني لها قائلة : ” هكذا ؟ ” فردت في غضب : ” لا ليس هكذا ! إنك تلتفتين الأنظار إلينا بطريقتك المريبة هكذا ! ” التفت إليها هذه المرة و قلت في تعجب غاضب : ” بربك من التي تلفت الأنظار ! ” ، فأزاحت الصحيفة عن وجهها بعصبية : ” أووه ، لا فائدة ! أنت لا تصلحين للمهمات السرية  و … ” بترت عبارتها فجأة و اتسعت حدقتها ثم سارعت تخفي وجهها وراء الصحيفة ! التفت بدوري إلى حيث كانت نتظر مصعوقة .. و …

رأيته ! شاب أقل ما يقال عنه إنه وسيم ، بهي الطلعة ، وافر اللحية  ، مرفوع القامة ، ثابت الخطو في خفة ، مر من أمامنا ثم اختفى عند أول منحنى . و إذا بصديقتي تهمس من وراء جريدتها : ” هل مشى ؟ ”

–        ” من ؟ “

–        ” و من يكون غيره ؟ “

–        ” أتعنين الشاب الذي مر بنا قبل قليل ؟! “

–        (بلهفة) ” نعم هو ! أمشى ! “

–        (باندهاش) نعم !

–        ( أزاحت الصحيفة و هي تتنهد بارتياح ، ثم علقت بصرها حيث اختفى )

–        ماذا دهاك اليوم ؟ و ما هذه النظرات الحالمة ؟؟!!

–        ( تنهدت ) كم هو رائع !

–        من ؟؟!

–        هو !

–        ( باستنكار ) زهرة !!

–        أنا أحبه !

–        ( شهقت في دهشة ) زهرة !!!

–        و أريد أن أتزوجه !!!!

–        زهرة !

–        (انتبهت فجأة على ندائي المستنكر فالتفتت إلي ) زهرة ! زهرة ! مالك تصيحين بي مستنكرة هكذا !

 

ثم نهضت غاضبة ، و قالت : حسنا إذن ، لن أتحدث معك طالما تنظرين إلى و كأنني جئت جريمة نكراء ! نهضت ورائها و سحبت يدها ، و قلت معتذرة : ” لا لا ، أرجوك سامحيني ، لم أقصد ! ” ، التفت بأسى غاضب : ” إذن لماذا تنادينني باستنكار هكذا ! ”  قلت مترددة : ” لا لم أقصد ، كل ما هنالك أنني .. لم .. لم أتوقع منك هكذا ! ” أفلتت يديّ و قالت مبتئسة : ” لم تتوقعي مني أن آتي الحرام .. أليس كذلك ؟! ” ثم تركتني و مشت ، عدت أسحبها من يدها : ” انتظري يا زهرة ، لا تأخذي كلامي هذا المحمل ، و أنت تعلمين أنني ما قصدته ! ” نظرت إلي برجاء و قالت : ” صحيح ؟ ” ، شددت على يديدها و قلت : ” فقط عنيت أنني لم أمر بهكذا موقف من قبل ، لم لا تأتين و تحديثنني عن .. ” و أشرت بطرف عيني إلى حيث اختفى ! خفضت نظرها حياء و قالت : ” لا لا داعي ! “

 جذبتها من يدها إلى حيث كنا جالستين : ” هيا لن تنطلي حيلتك عليّ ، أعلم أنك تتوقين للحديث ! ” ، جذبتني من يدي في الاتجاه المعاكس قائلة : ” لا ليس هنا ، تعالي في المصلى أفضل ” ، قلت و أنا ألملم حاجياتي : ” بالتأكيد ، السرية مطلوبة ! ” ، لفّت صحيفتها على شكل أنبوب ، ثم لوحت بها في وجهي و قالت : ” أنت آخر من يتحدث عن السرية !! ”  تشابكت أيدينا ، ثم دخلنا المصلى بعد ترديد دعاء الدخول ، و جلسنا . ظلت كلتانا صامتة تحدق في سجاد المصلى ، و تعبث في رأسها بحثا عن افتتاحية مناسبة !

ثم كانت صديقتي سابقتي إليها ، فسألتني :

 

–        هل الحب في الإسلام .. حرام ؟

–        ( بتعجب ) لا طبعا .

–        و ما الذي جعلها ” طبعا ” ؟!

–        (باستدراك ) الحب كمصطلح دارج على ألسنة الناس يحتمل العديد من التأويلات . لكن في الأصل ، الحب مشاعر قلبية ، هبة من الله كمشاعر الفرح و الحزن و غيرها . فقصدت أنما هي من عند الله ، فهي بذاتها ليست حراما ، و لكن “صرفها” هو الذي يحدد صوابها من خطئها .

–        و كيف ذلك ؟

–        ما أصل الغاية من خلق الإنسان ؟

–        ” و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون “

–        أحسنتِ . فالأصل في أفعال العباد ظاهرا و باطنا أن تصرف لمن ؟

–        خالصة لوجه الله تعالى وحده .

–        بالضبط . و من هنا تسمو مشاعر المؤمنين عن مشاعر الغافلين . فالمؤمن يغضب لانتهاك محارم الله ، يحزن على تقصيره في إرضاء الله ، يفرح لطاعة الله و يطمئن بها .

و المؤمن يحب . لأن حب الله و رسوله هذا من صميم الدين و تمام الإيمان ، و هو أسمى و أعظم أنواع الحب . و الحب قد ورد في القرآن الكريم أكثر من مرة ، حب الله تعالى و حب الرسول الحبيب صلى الله عليه و سلم ( تهمس زهرة : عليه الصلاة و السلام ) و حب المؤمنين ، وورد كذلك في أحاديثه صلى الله عليه و سلم:

( أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله والمعاداة في الله , والحب في الله والبغض في الله عز وجل )  ( صحيح الجامع 2539)

 

–        و ماذا عن حب الوالدين و الأقربين و الأزواج و الأصدقاء ؟

–        المؤمن يحول العادات إلى عبادات باستحضار النية الخالصة لوجه الله تعالى ، فتصير حتى النومة إذا نامها ينوي بها التقوي على طاعة الله حال الاستيقاظ ، و الحفاظ على الأمانة التي أوكلها الله به و هي جسمه ، نال ثوابها . على عكس من نام لأنه الطبيعي أن ينام ! و قيسي على ذلك .

–        إذن أحب والدي ليس لأن الطبيعي أو الواجب أن أحبهما ، و لكن لأبنتغي بحبهما و برهما القرب من الله و تحصيل رضاه تعالى برضائهما عني .

–        أحسنتِ

–        و كذالك الزوج ، أحبه لا حبا خالصا لذاته هو ، بل ينبغي أن أرتقي و أحبه في الله ، أي أحب طاعته لله و خشيته من الله و إعانته لي على طاعة الله ، و أبتغي برضاه و سعادته رضا الله ، و إن خالفني زوجي أو أخطأ ، لم أبغضه و لا أسيء إليه ، بل أعفو عنه لوجه الله وحده ، اي تكون كل معاملاتنا موجهة أولا و أخيرا خالصة لله وحده.

–        تماما ، بارك الله فيك .

–        و لكن أليس من الصعب تفريق المشاعر بالذات بحيث أتأكد أنها “خالصة” لله ؟

–        لا يضيع الله عمل من يجاهد في سبيله : ” و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين ” . صحيح أنه صعب لكن ليس مستحيلا ، بتجديد النية ، و بناء التعامل على أساس ” ما يرضي الله أولا ” و ليس ” هواي ” أو ” كرامتي ” ـ و ما إلى ذلك أولا .

–        سبحان الله ! تصوري أنني أحفظ هذه الأمور متفرقة ، و لكن بتجميعها مع بعضها هكذا ، تتجلى لي صورة الحب الرائعة الواضحة في ديننا الحنيف .

–        ليس ذلك بالأمر المستغرب عزيزتي . بل حتى لو قسناها “بالعقل” ، تجدي أن دين الإسلام إنما هو تشريع الله تعالى و صبغته التي ارتضاها لخلقه ، فالله خلقنا و يعلم مشاعرنا و احتياجاتنا ، و خالقنا هو الذي ارتضى لنا ديننا ، , أكمله لنا ، و أتم علينا نعمته ، فلا ريب أن يجد من يلتزم به سبيل الطمأنينة في الحياة . الإسلام ليس طريقة حياة ، أو نمط معيشة ، بل هو الحياة .. الحياة بعينها .

–        (مبهورة) صحيح ، صحيح !

–        بل أزيدك من حديث الحب ! و ليس أحب من حديث الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام نستزيد منه . ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله …… ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ……. )  رواه البخاري1423 ومسلم

وما دين الإسلام إلا الحب في الله والبغض في الله , لأن القلب لا بد له من التعلق بمحبوب , ومن لم يكن اللّه وحده له محبوبه ومعبوده فلا بد أن يتعبد قلبه لغيره , وذلك هو الشرك المبين , فمن ثم كان الحب في اللّه هو الدين . قال اللّه تعالى { قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه } آل عمران 31

( من أحب أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله )  ( حسن ) صحيح الجامع 5958

–        إذن كانت هذه هي الوجهة الصحيحة لصرف تلك المشاعر النبيلة السامية ، فهل يمكن أن يكون الحب سببا في غضب الله ؟

–        هكذا نأتي إلى ما يسمى “التعلق” ، أو “داء العشق” . و من ذلك التعلق بمعصية أو ذنب ، كالتدخين أو شرب الخمر أو الإدمان أو مشاهدة الصور الخليعة و الجري وراء المفاسد ، و كثيرون من المبتلون بها يخطئون فيقولون ” أحب ” ، أي أحب السيجارة أو الخمر .. و العياذ بالله ، و ذاك ليس حبا ، بل هو تعلق كاذب من نزغ الشيطان يصوره في صورة حيوية لا يستطيع أسيرها منها فكاكا ، بل قد يتحول لمعبود لها ، يسوقه هواه ، و تقوده شهواته . و ما كان من داء العشق ، فهو من تعلق القلب بغير الله ، ليس لله ، كتعلق فتاة بممثل أو مغن ، لمجرد الافتتان بشكل أو صوت ، و ربما العكس ، أو ما صار منتشرا بظاهرة الحب الإلكتروني أو الحب على الإنترنت ، من خلال المراسلات و الشات و المنتديات ، و تبدأ بعدها اتصالات و لقاءات ، أو ربما يتوقف الأمر عند حدود التراسل الإلكتروني و تبادل كلمات غرام لا أساس لها ترتكز عليه . فيتعلق قلب أحد الطرفين بالطرف الثاني الذي يراسله و لربما يتوهم خططا للزواج في أفضل الأحوال ، أو للقاء السري في أخسها .

–        يا لطيف !

–        الحمد لله الذي عافانا من هذا . و الآن ، هل اكتفيت ؟

–        ماذا تعنين ؟

–        أعلم أنك تحاولين المماطلة ! تعابير وجهك تكشفك !

–        ( تخفض بصرها حياء )

–        ( بتلطف ) لو أنك لا تودين إخباري فلا بأس ، لن أصر عليك .

–        ( ترفع رأسها و تأخذ بيدي ) لا لا ليس الأمر هكذا . و يعلم الله أنني ما جئتك إلا لأنني أحتاج من أستشيره و أثق فيه .

–        ( شددت على يديها بدوري و ابتسمت ) و أنا كلي آذان صاغية لك عزيزتي .

–        إنني أعرفه منذ ثلاث سنوات ! منذ كنا في السنة الأولى في الكلية !

–        ( بتوجس ) تعرفينه ؟؟!

–        (باستدراك خجول ) أعني أنني كنت أراه من بعيد ! ( ترفع رأسها في تأكيد ) بالطبع لست ممن يحدقون في الرجال ، فأنا أغض بصري فورا ، و لكن .. ( تخفض عينيها إلى الأرض و يحمرّ خداها ) و لكن هو بالذات ، أعني شئ فيه جذبني من أول مرة ! صحيح أنني أغض بصري دوما و أتحاشى لقاءه ، لكنني .. أنا .. (سكتت في حياء )

–        ( همست استحثها أن تبوح ) تفكرين فيه ؟

–        (رفعت رأسها كم وجد طوق النجاة ) نعم ! ( عادت تخفض بصرها و تعبث بسجاد المصلى ) إنه مختلف ، لا يمشى مع الفتيات ، خلوق و مهذب ، بل و مجتهد كذلك ، و يحافظ على صلاة الظهر في المصلى هنا و لا يؤجلها حتى العودة . .و . ..

–        ( ابتسمت أغمزها بلطف ) عرفت كل هذا عنه  ؟؟!

–        ( رفعت رأسها في فزع كمن يدفع عنه تهمة ) لا والله لم أكن أقصد تتبعه ، لكن ، تعلمين أننا في نفس القسم ، و الكلية صغيرة ، فكنت أاراه عفوا ، صديقيني !

–        (ربت على كتفها في تفهم ) أفهمك و أصدقك

–        ( تخفض رأسها و تهم بقول شئ ثم تتراجع )

–        ( وضعت يدي على يديها المرتجفتين ) و همست : لا عليك ، قولي كل ما تشائين ، و ثقي أنني بإذن الله أتفهمك

–        ( رفعت إلي عينين دامعتين ) و قالت : أنا ممتنة لك !

–        ( أخذت بيديها و شددت عليهما ) أتبكين يا زهرة ؟!

–        ( خفضت رأسها و تحدرت دمعة على خدها الملتهب ) لقد .. حصل موقف أمس .

–        ( بقلق ) خيرا ، ماذا حدث ؟

–        بعد انتهاء المحاضرة يوم أمس ، كان عدد الحضور كبيرا و الغرفة ضيقة ، فتزاحم الطلاب على الباب ، و إذا بشخص لا أدري شابا أم شابة دفعني فوقع مني كشكول المحاضرات و تدافعته الأقدام بعيدا عني ، وقفت على جانب أنتظر عبور الأفواج و قد وقر في نفسي أن الكشكول هالك لا محالة ، و بعد خروج الطلبة – أو بالأحرى جماعة الهمج –  وجدت .. وجدتـ.. ( ثم أمسكت عن الكلام )

–        وجدته  ؟

–        ( تحدرت دمعة أخرى و أومأت برأسها ) واقفا أمامي !

–        ( ربت عليها أهدئها ) ثم ماذا ؟ هل آذاك بكلمة ؟

–        ( رفعت رأسها في استنكار ) آذاني ؟ على العكس ، كانت قمة في التهذيب لم أتوقع لشد ما رأيته من سوء معاملات الشباب أن أجد واحدا يتمتع بمثله ، كان يمسك كشكولي و قد نفض عنه التراب ، ارتبكت عند رؤيته و تلونت بشتى الألوان ، فارتبك هو الآخر و مد يده بالكشكول ، و .. و قال ..

–        ماذا قال ؟ ماذا قال ؟

–        (خفضت رأسها و ابتسمت في حياء ) قال ” تفضلي يا آنسة “ !

–        ( في خيبة أمل ) فقط ؟

–        ( متعجبة ) فقط ؟ و ماذا كنت تريدينه أن يقول ؟

–        ( رجعت إلى الوراء بظهري و تنهدت ) لقد أوقفت كل شعرة في رأسي بأسلوبك هذا ! حسبته طلب يدك للزواج !

–        ( نظرت إلي طويلا ثم خفضت بصرها في خيبة كذلك )

–        ( استدركت في تلطف ) لا تبتئسي هكذا ، لكن ..

–        ( في لهفة ) ماذا ؟

–         قصدت .. أعني .. ربما .. ( ثم أمسكت عن الكلام و نظرت لها نظرة فهمت مغزاها )

–        ( نظرت إلي طويلا ثم نكست رأسها أخيرا ) لقد ضخمتُ الموضوع .. أليس كذلك ؟ ( ثم ابتسمت في سخرية مريرة ) لقد ظللت طوال اليوم أفسرها كما يحلو لي ، و أسبغ عليها من التأويلا ت ما أعلم علم اليقين أنه لا يعدو مشاعر داخلية .. أنه وهم من صنعي أنا .. مشاعري أنا . ( ثم خانها تجلدها ، فتحدرة جمانة كبيرة على خدها ، تبعها جيش من أخواتها يؤازرنها )

–        ( اقتربت منها و أخذت بيديها الباردتين ) هوني عليك يا زهرة !

–        ( رفعت إلي عينين مغرورقتين بالدموع ) أيغضب الله مني ؟؟

–        !!!!!!!!

–        أخاف أن يكون الله غاضبا علي !

–        و لم يا زهرة ؟

–        لأنني .. لأنني أحبه ! ( تشدّ على يديّ ) هل هذا خطأ ؟ هل يغضبُ اللهَ ؟

–        ( وضعت كفي على خدها المبلل بدموعها الطاهرة ) يا زهرتي الحبيبة .. إنما هذه مشاعر قلبية في أصلها هبة من الله لا تملكينها ، يا حبيبتي إنما حبك هذا الحب الطاهر و الميل الطبيعي ، أليس الحبيب المصطفى يقول : ” الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، و ما تنافر منها اختلف ” ، فكل إلف و له أليفه ، و هذا الميل الفطري ، الذي يختلف عن حب ذوي القربى من الآباء و الإخوان ،  زرعه الله فينا ، ليكون الممهد للقبول بين الطرفين ، و من ثم الارتباط الوثيق و عقد الميثاق الغليظ . و أي حب بين الجنسين لا يكون في الله ، و لله ، و غايته الارتباط على سنة الله و رسوله ، هو ما يغضب الله تعالى .

–        و ما أدراني أن حبي هذا غايته الارتباط ؟ أو حتى له صدى عنده ؟

–         ما قدره الله سيكون من نصيبك فهو نصيبك !

–        ( ازدادت دموعها انهمارا ) أعلم ذلك و الله ! و لكنني .. صرت .. كثيرة التشتت مؤخرا ، كثيرة التخيلات . لا أدري كيف التصقت تلك الفكرة برأسي ، و لا كيف تأججت هذه المشاعر هكذا ، لم أعد أستطيع نزع حبه من وجداني ، صرت أسرح كثيرا و أفكر فيه كثيرا ، حتى و أنا أعلم أنه لا يفكر فيّ .

–        و كيف علمت هذا ؟

–        أوَيمكن أن يكون .. أعني .. أنه يبادلني الـ .. مشاعري ؟

–        الله أعلم ، و لم لا ؟

–        هذا مستحيل !

–        و كيف لك أن تتأكدي ؟

–        إنه لم يظهر شيئا خاصا حيالي ! اللهم إلا إذا كنت الوحيدة في الكلية التي التقط شاب لها كشكولها !

–        و ما الذي تريدينه أن يظهره ؟ من وصفك و كلامك ، يظهر و الله أعلم أنه ملتزم ، و في هذه الحال لا سبيل لإظهار مشاعره للفتاة التي يحبها إلا إن تقدم لأهلها ، و لن يتقدم قبل أن يستقر به الحال و يهيئ نفسه لتأسيس أسرته ، و بطبيعة الحال ليس الآن ، على الأقل ليس قبل أن ينهي السنة الأخيرة من الكلية .

–        ( في لهفة و أمل ) تعنين أنه سيتقدم لي ؟؟!

–        (نظرت طويلا في عينيها المنتفختين من البكاء و قد جمدت على خديها دمعتان كبيرتان ، و .. سكتّ )

–        ( في خيبة أمل ) صحيح .. الله أعلم من هي تلك الفتاة التي تشغل تفكيره ، هذا إن كان هناك واحدة !

 

سادت لحظات صمت بدت دهرا ، و ساد سكون إلا من أصوات أصابعنا تعبث بسجاد المصلى ، ثم كانت أول من شق حاجز الصمت ، سائلة في رجاء :

–        ماذا أفعل ؟

–        ( ظللت أنظر إلى الأرض و نظراتها مصوبة إلي ، ثم تنهدت أخيرا ) ليس هناك سوى حل واحد !

–        ( اقتربت مني بلهفة ) و ما هو ؟

–        يحتاج عزما و جهادا

–        سأعزم و أجاهد بإذن الله

–        و نفسا طويلا

–        ( أخذت نفسا عميقا ثم ابتسمت ) هكذا ؟!

–        ( ابتسمت لها و أخذت بيديها ) أجيبيني بصدق : أتعلمين الغيب ؟

–        ( بتعجب ) لا طبعا

–        و هل أعلم أنا الغيب ؟

–        لا طبعا

–        هل تملكين تصريف الأقدار ؟

–        بالتأكيد لا !

–        و هل أملك أنا تصريف الأقدار ؟

–        ماذا دهاك ؟! بالتأكيد لا !

–        إذن فلم لا تلجئين إلى علام الغيوب و مصرف الأقدار و مقلب القلوب ؟!

–        ( نظرت إلي طويلا ) ألجأ إليه ؟

–        ( نظرت إليها بثقة ) نعم إليه .. وحده . وجهي وجهك إليه سبحانه ! احكِ له كل ما يعتمل في نفسك ، هو وحده سبحانه بيده الأمر و إليه المرجع و المصير .

–        و نِعْمَ بالله .

–        نَعَم ، هو حسبي و حسبك و هو نِعْم الوكيل ، جئت تبوحين إلي و تعلمين أن ليس لي من الأمر شئ ، فكيف بمن بيده كل شئ ؟ كيف بمن بيمينه الإحياء و الإفناء ؟ كيف بمن بيده ملكوت السماوات و الأرض و خزائن السماوات و الأرض ؟ كيف بمن قلوبنا بين إصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء !

–        سبحانك اللهم و بحمدك ، حسبي الله ، حسبي الله و نعم الوكيل

–        و كذلك أكثري – حبيبتي – من الدعاء بدعاء الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام : ” اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ” ، ” اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على حبك و على طاعتك ” .

أتذكرين ذاك الدعاء الجميل الذي دعا به الشيخ العز بن عبد السلام لقظز في “واإسلاماه”  ؟

–        (تفكر) .. أجل أجل ، أذكره

–        هو ذاك ، ادعِ به كذلك في صلاتك  ” اللهم إنك تعلم أن في قلبي مضغة تهفو إلى إلفها ، في غير معصية لك ربي ، فاجمعني بها مولاي على ما تحب و ترضى ، على سنة حبييك و رسولك محمد “

–        ( تتهلل أساريرها ) نعم بإذن الله سأدعو بهذه الدعوات و أحافظ عليها كعينيّ

–        نعم أخيتي ، علقي أملك كله بالله ، و هو وحده لن يخذلك ، ثقي به تعالى ثقة مطلقة ، و الله تعالى لا يخلف وعده و لن يخيب عبدا رجاه . فوضي أمرك لله فيما لا تملكينه ، و اجتهدي أنت فيما تملكينه .

–        و ما ذاك ؟

–        اجتهدي في دراستك ، و في الرقي بأخلاقك و تعاملاتك ، نمّي ثقافتك ، و جاهدي لتكوني حاملة راية الإسلام ، و قوية للدفاع عن حصنك و حماية ثغرتك ، اجتهدي فيما يرقى بشخصيتك و قدراتك لتكوني زوجة صالحة و أما مؤمنة بإذن الله تعالى .

–        ( تبتسم في ثقة و عزم ) نعم بإذن الله سأفعل ، سأفعل .

–        لأجل من ؟

–        ( تنظر إلي في استفهام ثم تبتسم ) نعم سأفعل لأجل الله وحده ، خالصا لوجه الله وحده ، و ما يرضاه الله لي سأرضى به و لو لم يتفق مع هواي ، سأجاهد ليكون هواي تبع لما يحب الله و يرضاه فيه .

–        ( نظرت إليها باعتزاز ) أحسنت يا زهرة ، بارك الله فيك و أعزك و ثبتك .

–        ( تنهض فتحضنني ) و جزاك الله عني كل خير ، حملت عني عبئا ثقيلا ، فرج الله عنك كرب يوم القيامة

–        ( أحتضنها بدوري ) و إياك أختي الحبيبة ، و إياك .. زهرتي الناضرة .

 

 

( النهاية )

 

ما بعد النهاية !

 

تزوجت “زهرة”

 

نعم .. من ” فتى الكشكول ” (كما سميناه لاحقا ! )

 

تزوجت منه ، و هي الآن أم لثلاثة أطفال : نور الرحمن ، و هداية ، و سيف الدين

 

——————–

 

” و قال ربكم ادعوني أستجب لكم “

 

” و إذا سألك عبادي عني فإني قريب ، أجيب دعوة الداع إذا دعان ، فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون

 

” إلـى أين تذهب ؟ ألك رب سواي ؟ “

 

 

” يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم

 

يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم

 

يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم

 

يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً

 

فاستغفروني أغفر لكم

 

من يسأل الناس يحرموه      وسائل الله لا يخيب

 

و إذا شكوت إلى ابن آدم فكأنما     تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

 

**************

 

 

 

ذلك من فضل الله علينا و على الناس و لكن أكثر الناس لا يشكرون

 

الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله

 

زهور حائرة ~ هل يجيب الإسلام عن تساؤلاتها؟

سلسلة زهور حائرة ، هي حوارات بيني و بين أخوات في الله ، أسئلة و استفسارات في مواضيع ذات صلاحية عامة ، رمزت فيها لكل أخواتي باسم : زهرة . هي هموم و أسئلة فتيات في عمر الزهور ، في كل حلقة ، يبدأ السؤال : هل يجيب الإسلام على تساؤلات زهور حائرة ؟ و في نهاية كل حلقة ، نجد الإجابة على تساؤلات زهور كانت حائرة ! أسال الله أن يتقبل منا و ينفعا جميعا بما نعلم و ما نتعلم و يوفقنا لما يحبه سبحانه و يرضى .