بسم الله الرحمن الرحيم
مقتطفات من حلقات برنامج “إتقان” للحبيب علي الجفري جزاه الله خيرا
إعداد: حاملة المسك
https://guidanceforall.wordpress.com
قيمة العمل في الإسلام
العمل عبادة منسية ؛ عبادة: يتقرب به إلى الله ؛ منسية: إهمال طرأ على التعامل مع هذه العبادة بمعناها الحقيقي. يقول الحق تبارك وتعالى: “وما خلقات الجن والإنس إلا ليعبدون.” مفهوم العبادة عند كثير من الناس اقتصر على صورة النُّسك، ولو أقمنا صورة النسك مع حقيقة النسك، لانطلقنا إلى ميدان العبادة في الحياة كلها. كم تأخذ منك الفروض الخمس؟ قل نصف ساعة في اليوم والليلة، الثلاثة وعشرين ساعة الباقية، كيف تكون خالية عن العبادة ونحن ما خلقنا إلا للعبادة؟ إذا كنت تصوم ثلاثين يوما مفروضة ، فالثلاثين والثلاثمئة الأخرى .. انتهت صلتك بالله؟ أمر غير معقول أن يكون القصد من خلقنا العبادة ثم تأخذ هذا الحيز الصغير من وقتنا، من اعتنائنا، من اهتمامنا وحياتنا التي نعيشها؟
بل مفهوم العبادة أوسع: أن تكون مع الله في سائر أحوالك، في المسجد كما في السوق. ومن السلف من كان يحتسب في نومته ما يحتسبه في قومته، فيجعل الحياة كلها عبادة. وقد روي في الصحيحين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا رجلا يشتغل في كسب رزقه، ورأوا من جلده ونشاطه، فقالوا: “لو كان هذا في سبيل الله؟!” فرد عليهم – عليه الصلاة والسلام – : “إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله ، وإن كان خلاج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، أو إن كان خرج على نفسه يُعِفُّها (أي عن أن تكون آخذة للحرام أو متسولة للخلائق) فهو في سبيل الله ؛ وإن كان خرج رياءً و مفاخرة فهو في سبيل الشيطان.” فوضع الحبيب – صلى الله عليه وسلم – بذلك معنى واضحا لمقصود المعاملة في سبيل الله يرجع إلى مقصد الإنسان، فليس مجرد البيع والشراء عبادة، وليس مجرد الذهاب للعمل عبادة، ولا مجرد الوظيفة عبادة ، وإنما العبادة ترجع للمقصد الذي من أجله يقوم الإنسان بتلك المهن والوظائف، ,إلى طريقته أيتبع السنة والحلال أم يخالفه؟
وحديث آخر ينبه إلى هذا المعنى: “لأن يأخذ أحدكم أَحْبله ، فيأتي الجبل ، فيجئ بحزمة حطب على ظهره، فيبيعها فيستغني بثمنهاخير له من أن يسأل الناس أعطوه أو حرموه.” هذا معنى ربى عليه المصطفى – عليه الصلاة والسلام – أصحابه – رضوان الله عليهم أجمعين. جاء كذلك في التنبيه من معصية تَكَفف الناس أو يعيش المسلم عالة على غيره :
عن قبَيصة بن المخارق قال : : ( حملت حَمَالة {مسؤولية صار بسببها مَدِينا لنفع غيره}فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فسألته فيها فقال : أقم حتى تأتينا الصدقة ، فإما أن تحملها ، و إما أن نعينك فيها ، و قال : إن المسألة {إي سؤال الناس} لا تحل إلا لثلاثة ، لرجل تحمل حمالة قوم فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسِك ، و رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله {حتى لم يبق له ما يقيم به أَوْده} فيسأل فيها حتى يصيب قَواماً من عيش أو سِداداً {أي على قدر الحاجة} من عيش ثم يمسك ، و رجل أصابته فاقة {الفقر المُدْقِعْ} فيسأل حتى يصيب قواماً من عيش أو سِداداً من عيش ثم يمسك ، و ما سوى ذلك من المسائل سُحْتاً يا قبيصة يأكله صاحبه سحتاً). أي مال حرام!
تأمل كم من المسلمين من يرضى ان يسأل من أجل الكماليات، أو به قوة وصحة ثم يستسهل المسألة، وذلك إنما يرجع لتضييع عبادة الكسب من عرق الحبين، عبادة العمل. وهذا يقودنا إلى مفهوم العمل الذي يعتبر عبادة في الإسلام؟ هل كل عمل عبادة؟ قطعا لا! الكافر إذا عمل، هل هو عابد؟ لا! فاسق تارك للصلاة يشتغل ليستكثر من المال، هل هو عابد؟ لا!
إذا متى يكون عبادة؟ من عظمة ديننا أن مفهمو العمل في الإسلام يرتبط بمعنيين:
- 1. نية التقرب إلى الله: فكل ما لم ينطو على النية لله فليس بعمل في شريعتنا.
- 2. أن يصدر عنه النفع والخير للناس “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرةشرا يره.”
هذا المعنى الواسع جعل المرأة التي تقوم على تربية الأبناء وتصبر على ما تلاقيه في سبيل ذلك، جعل الحمل والولادة والإرضاع عملا محترما في ديننا. فكل عمل تتقنه في باطنه وظاهره عبادة ، الظاهر أي تجويد العمل، والباطن في إصلاح النية أنك تنوي بإتقانك إرادة وجه الله عز وجل ونفع الآخرين لله تعالى، لا لشهرة ولا لجمع المال ولا للتنافس على الدنيا. بهذا تعود للمسلم أستاذيته للعالم، فكل ما ما فيه نفع للبشرية يسمى عملا، وما ارتبط بالإتقان وبنية التقرب لله صار عبادة. ولهذا كان الصادقون من أسلافنا يعيش الواحد منهم ولديه حب لعمله. تجد النجار يتفنن وهو يذكر الله، يشعر أنه بعمله يقدم شئ للبشرية، وهذا أوجد شيئا يحتاجه العالم ألا وهو التكامل.
لمذا ينظر لصحاب الحرف والمهن وأعمال التنظيف والخدمة نظرة دونية مع أنه لابد منها ولا تستقيم بدونها حياة؟ لماذا ننتقص من قيمتهم؟ هل نستطيع العيش دون طعام؟ فلماذا لا يشعر المزارع في بلادنا أنه محترم وذو قيمة لأنه مزارع؟ وإلا ما الذي يفعه ليعلم أبناءه مهنا أخرى ليخلصهم من “ذل” العمل الهام الذي يقوم به؟ نحن ننظر لقيمة العمل من الناحية الاجتماعية والمالية فحسب. لو تقدم لإحدى بناتك نجار صالح ومصل ومتقن لعمله وذو أخلاق طيبة، ستتردد في قبوله! هذه النظرة الظالمة لمثل تلك الوظائف الأساسية التي لا غنى عنها صار يحعل أصحابها ينسحبون منها، وصار الجيل الذي يليه لا يزرع ولا يصنع و لا يحترف المهن اليدوية. صار مجتمعنا مليئا بالأطباء والمهندسين، زاد العدد ، صارت هجرة العقول للخارج، وانتفى التكامل الذي يقوم عليه المجتمع السليم. قال الحبيب – صلى الله عليه وسلم – “من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له” ؛ وهذا ما يعرف بفرض الكفاية، أن يكون في الأمة من يكفيها في كل مجال من مجالات الحياة.
روى الشيخان { أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له إنها ماتت قال فهلا آذنتموني ، فأتى قبرها فصلى عليها } فقيمة الإنسان ما يقدمه من نفع، ولا عيب في الكسب الحلال مادام حلالا، مادام نافعا، مادام صاحبه يتقنه. ثلاثة اوصاف إذا اتصف بها المرمن فإن عمله يقربه لله: يكون حلالا، ثم نافعا يليق بمن جعله الله خليفته في الأرض، والثالث أن يتقن عمله “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.”
ارتباط العمل بالإيمان
ارتبط معنى الإيمان في الأذهان بالعبادة والنسك من صلاة وصيام وتلاوة للقرآن، لكن اسمع لقول المصطفى عليه الصلاة والسلا ينبهنا لحقيقة نغفل عنها: “الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.” فالإيمان هنا ارتبط بتنظيف الشوارع، بإزالة الأذى عن الناس، فالأصل هنا الحال مع الله. فديننا بعظمته لم يفصل بين النسك في العبادة، وبين الحياة في العبادة؛ بين حالك في المحراب وحالك وأنت تسير في الشارع. ومن هنا نستشعر فهما ينبغي أن نعود إليه إذا تحدثنا عن اخلاق المؤمن في عمله، فنحن نتحدث عن الإيمان.
حقيقة مفهوم العمل في الإسلام
الطالب الذي يجتهد في تحصيل العلم، هل يعتبر عاملا بالمفهوم الدنيوي؟ لا! الأم التي تحمل وتلد وتعرض حياتها للخطر أثناء ذلك، هل تعد عاملة في التعريف العالمي للعمل؟ لا! الشيخ الكبير الذي تفرغ للأعمال الاجتماعية والإصلاح بين الناس والأنشطة الشبابية، بالمفهوم الحديث للعمل، هل يعد صاحب عمل؟ لا! لكن بالمفهوم الإسلامي الشامل العمل الذي يبني ولا يهدم، الذي يصلح ولايفسد، الذي يعمر ولا يخرب، العامل عندنا هو من كل من يبذل جهدا جادا معنويا كان أو ماديا ، أو يؤلف بينهما معا، وارتبط بالتوجه إلى الله عز وجل. ومن هذا المنطلق اتسعت دائرة العاملين، فالأم عاملة، والطالب العلم الذي نيته تعليم الخير ، وإذا دخل التخصص نيته ان يكفي أمته في ذلك التخصص ولا يقتصر على نيل الشهادة ليفتخر بها على أقرانه، يتساوى الذي يدرس الطب والهندسة والزراعة والأدب والتاريخ والقانون والإدارة، فالمقصود ليس الاسم ولا الدخل ولا المكانة الاجتماعية، وإنما المعول ما مقصود المسلم من عمله ذاك، ما الذي ينوي تقديمه للبشرية، فنيته تكون الإتقان لينفع البشرية، لماذا؟ ابتغاء رضوان الله: ” كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته . الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته ، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته.” فليس العمل إذا حكرا على المناصب ذات الوجاهة. أنت من المسؤولين الكبار بالمفهوم المحمدي للمسؤولية، فمسؤوليتك مرتبطة بما ستؤديه في الحياة من نفع للخلق تقربا للخالق تعالى. وهذا ما يزيد استشعارنا لثقل المسؤولية المقاة على عاتق المؤمن الساعي لرضوان الله.
يكثر عندنا التاجر الذي يسارع إلى الحج ويعتمر مرتين في السنة ويصلي التروايح ويحفظ القرآن، ولا يمانع أن يغش أو يتعامل بالربا! نحن لا ننتقد عبادتك بل نرجو الله أن يستجيب، بل ننتقد الفصل الذي تعيشه بين العبادة في النسك، والعبادة في العمل. أؤلئك ما عاشوا معنى أن يتعاملوا مع الله في يومهم وليلتهم. فالتعامل مع الله يبدا من اللقمة التي يأكلها الإنسان ويمر بالمصلى وينتهي بحال المسلم وصلته بالخلق. المهم ألا يمر عليك اليوم ولم تفعل شيئا نافعا، راجع أعمالك ونياتك يوميا.
أد عملك كما ينبغي لوجه الله تعالى ، بغض النظر عن أي اعتبار آخر
مر النبي – صلى الله عليه وسلم – على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال: { ما هذا يا صاحب الطعام؟ } قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: { أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس مني } . انظروا كيف لم يلتفت الرسول –صلى الله عليه وسلم – لعذر الرجل حين قال أصابته السماء، فلا شئ في شريعتنا البينة يبرر الوسيلة إن لم تكن حلالا. الأمر الثاني أن الرواية التي ذاعت على الألسن هي “من غشنا فليس منا” وليس “من غش فليس منا”. ذلك أنك ترى الكثيرين يستبيحون غش غير المسلمين! المسألة ليست الطرف الذي أمامك، مسلما كان أم كافرا، صالحا أم فاسقا؛ المسألة في حالك أنت مع الله ، في أخلاقك أنت أمام الله.
السعي في الإصلاح من حسن الخلافة في الأرض
أهل الإصلاح في الأرض وجوههم بشوشة ، عطاؤهم أكثر من أخذهم ، ولو كان قليل ذات اليد ، “ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: الإنصاف من النفس، بذل السلام، والإنفاق من إقتار” ثقة بالله. وهكذا تصير حياة المسلم كلها تقرب إلى الله وجهاد في سبيله “المؤمن كالنحلة لا تأكل إلا طيبا ولا تضع إلا طيبا”
الإصلاح ثلاثة أنواع:
- 1. فردي “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت” و ذلك بأن يصحح توبته ، يصدق مع الله في توبته، يصحح نيته “والله يعلم المفسد من المصلح” ، الإرادة والأمر “إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس” ، أن يعيش في باطنه الخوف من النكوص عن الإصلاح، يصدق في إرادة الإصلاح ، يصبر على بذل الإصلاح، يخاف على فوات الإصلاح ، يعيش حياة أنه مصلح.
- 2. الثنائي “إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما” ، بين الزوجين، الشريك في العمل، الزميل في المدرسة … إلخ
- 3. جماعي ، المجتمع كله مصلح آمر بالمعروف ناه عن المنكر والإصلاح الفردي أول خطوة
الصدق
“يطبع المؤمن على الخلا كلها إلا الكذب والخيانة”
” المؤمن لا يكذب”
“التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصديقيين والشهداء”
* الصدق مع النفس يسبق الصدق مع الله: يبرر لنفسه الخطأ الذي يفعله ، ويسير خلف المبررات التي تسوقها لتسويغ الطرق الملتوية
* إذا ارتقى في الصدق من الكلام والتوبة والتوكل ، ارتقى إلى رتبة الصديقية
أيهما أفضل تعلم العلوم الشرعية أم الحياتية؟
* هناك حد من العلوم الشرعية الأساسية ينبغي لكل مسلم أن يتعلمها بدونها لا تستقيم عبادته ولا يصح إسلامه ، وهي فرض عين.
* ثم الأحكام المتعلقة بتخصصك.
* ثم مازاد على ذلك ينظر فيه إلى أمرين:
1. ميدان النفع وحاجة الأمة : تختلف باختلاف المكان وترجع إلى الحاجة وسد ثغور الأمة
2. ميدان الإتقان : إذا تعددت الاحتياجات والمجالات تختار ما ستبرع فيه وتتقنه أنت
الولاء في الوظيفة
أي موظف يتعامل في وظيفته مع ثلاثة أبعاد:
- 1. صاحب العمل أو الجهة التي وظفته
- 2. المنتفعين من وظيفته والمستفيدين من إنتاجه
- 3. نوع الوظيفة وإتقان ما يقوم به
هذه الجهات تتحد في حال تعامله مع الله تعالى، فالموظف المؤمن في نظره إلى هذه الأبعاد الثلاثة يتعامل في الأصل مع الله، فيتعبد بإحسانه في الجهات الثلاث. لإإذا تعرضت للظلم او الانتقاص في العمل فإن هذا لا يعذرك أمام الله حين لا تتقن عملك ، وهذا لا يسقط كذلك حقوق المنتفعين ، لأنك إن سوغت لنفسك ظلمهم بظلم مديرك لك، فإنك تسوغ لمديرك ظلمه لك بظلم من فوقه له! والله تعالى كرمه يقتضي ويستوجب أن يحرك الأسباب لتحسين الوضع حين يرى منك الصدق في معاملته ، ففضل الله تعالى واسع.
“أرأيت إن كان علينا أمراء يطالبوننا بحقوقهم ولا يؤدوننا حقوقنا؟!”
“أطيعوا إنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم.” ولا يظلم ربك أحدا
و في التعامل مع الجهة الثانية ، أنت كموظف عندك فرصة الحصول على ضمانات متتالية بأن كرب يوم القيامة ستفرج عنك بتفريجك كرب المحتاجين لخدماتك.
و في الجهة الثالثة، إعمال الفكر في كيفية إتقانه وأداءئه على أحسن وجه، لأنك لا تقدمه لرئيسك فيرقيك، بل تقدمه لربك تعالى ، “فليحسن أحدكم صدقته لأنه يضعها في يمين الرحمن.” وعدم تضييع أمانة الوقت الذي استؤمنت على أداء عمل معين فيه ، ولا خيانة الصلاحيات المعطاة لك لغرض العمل لأغراضك الشخصية.
الذي يصدق مع نفسه في معاملة الله لا تضحك عليه أبدا.
إتقان
Filed under: واحة الداعية،افـهم ديـنـك | Tagged: حلقات برنامج إتقان الحبيب علي الجفري محاضرات مكتوبة مفرغة | Leave a comment »