أحبه ! هـل أنـا مخطـئـة ؟؟

سلسلة زهور حائرة (1)

 

 

أحبه ! هـل أنـا مخطـئـة ؟؟

 

 

في إحدى أوقات الاستراحة ، كنت أقرأ كتابا حين فوجئت بفتاة تدفن وجهها بين دفتي صحيفة متظاهرة بقرائتها تجلس بجانبي ، عدت إلى كتابي أستكمل ما بدأت و إذا بصوتها يناديني في همس : ” بسسسس .. “خادمة الإسلام ” ! ” التفت فإذا هي صديقتي زهرة ! قلت متعجبة : ” زهرة؟!” ، فسارعت تهمس و هي لا زالت تخفي وجهها بالصحيفة : ” لا لا تلتفتي ، حديثيني و أنت تنتظرين أمامك ! ” نظرت أمامي ، ثم ملت عليها قليلا و همست بدوري : ” ماذا هناك ؟؟! ” قالت : ” لا ليس هكذا ، لا تميلي علي ! ” عدت فانتصبت في جلستي ، و نظرت بمؤخر عيني لها قائلة : ” هكذا ؟ ” فردت في غضب : ” لا ليس هكذا ! إنك تلتفتين الأنظار إلينا بطريقتك المريبة هكذا ! ” التفت إليها هذه المرة و قلت في تعجب غاضب : ” بربك من التي تلفت الأنظار ! ” ، فأزاحت الصحيفة عن وجهها بعصبية : ” أووه ، لا فائدة ! أنت لا تصلحين للمهمات السرية  و … ” بترت عبارتها فجأة و اتسعت حدقتها ثم سارعت تخفي وجهها وراء الصحيفة ! التفت بدوري إلى حيث كانت نتظر مصعوقة .. و …

رأيته ! شاب أقل ما يقال عنه إنه وسيم ، بهي الطلعة ، وافر اللحية  ، مرفوع القامة ، ثابت الخطو في خفة ، مر من أمامنا ثم اختفى عند أول منحنى . و إذا بصديقتي تهمس من وراء جريدتها : ” هل مشى ؟ ”

–        ” من ؟ “

–        ” و من يكون غيره ؟ “

–        ” أتعنين الشاب الذي مر بنا قبل قليل ؟! “

–        (بلهفة) ” نعم هو ! أمشى ! “

–        (باندهاش) نعم !

–        ( أزاحت الصحيفة و هي تتنهد بارتياح ، ثم علقت بصرها حيث اختفى )

–        ماذا دهاك اليوم ؟ و ما هذه النظرات الحالمة ؟؟!!

–        ( تنهدت ) كم هو رائع !

–        من ؟؟!

–        هو !

–        ( باستنكار ) زهرة !!

–        أنا أحبه !

–        ( شهقت في دهشة ) زهرة !!!

–        و أريد أن أتزوجه !!!!

–        زهرة !

–        (انتبهت فجأة على ندائي المستنكر فالتفتت إلي ) زهرة ! زهرة ! مالك تصيحين بي مستنكرة هكذا !

 

ثم نهضت غاضبة ، و قالت : حسنا إذن ، لن أتحدث معك طالما تنظرين إلى و كأنني جئت جريمة نكراء ! نهضت ورائها و سحبت يدها ، و قلت معتذرة : ” لا لا ، أرجوك سامحيني ، لم أقصد ! ” ، التفت بأسى غاضب : ” إذن لماذا تنادينني باستنكار هكذا ! ”  قلت مترددة : ” لا لم أقصد ، كل ما هنالك أنني .. لم .. لم أتوقع منك هكذا ! ” أفلتت يديّ و قالت مبتئسة : ” لم تتوقعي مني أن آتي الحرام .. أليس كذلك ؟! ” ثم تركتني و مشت ، عدت أسحبها من يدها : ” انتظري يا زهرة ، لا تأخذي كلامي هذا المحمل ، و أنت تعلمين أنني ما قصدته ! ” نظرت إلي برجاء و قالت : ” صحيح ؟ ” ، شددت على يديدها و قلت : ” فقط عنيت أنني لم أمر بهكذا موقف من قبل ، لم لا تأتين و تحديثنني عن .. ” و أشرت بطرف عيني إلى حيث اختفى ! خفضت نظرها حياء و قالت : ” لا لا داعي ! “

 جذبتها من يدها إلى حيث كنا جالستين : ” هيا لن تنطلي حيلتك عليّ ، أعلم أنك تتوقين للحديث ! ” ، جذبتني من يدي في الاتجاه المعاكس قائلة : ” لا ليس هنا ، تعالي في المصلى أفضل ” ، قلت و أنا ألملم حاجياتي : ” بالتأكيد ، السرية مطلوبة ! ” ، لفّت صحيفتها على شكل أنبوب ، ثم لوحت بها في وجهي و قالت : ” أنت آخر من يتحدث عن السرية !! ”  تشابكت أيدينا ، ثم دخلنا المصلى بعد ترديد دعاء الدخول ، و جلسنا . ظلت كلتانا صامتة تحدق في سجاد المصلى ، و تعبث في رأسها بحثا عن افتتاحية مناسبة !

ثم كانت صديقتي سابقتي إليها ، فسألتني :

 

–        هل الحب في الإسلام .. حرام ؟

–        ( بتعجب ) لا طبعا .

–        و ما الذي جعلها ” طبعا ” ؟!

–        (باستدراك ) الحب كمصطلح دارج على ألسنة الناس يحتمل العديد من التأويلات . لكن في الأصل ، الحب مشاعر قلبية ، هبة من الله كمشاعر الفرح و الحزن و غيرها . فقصدت أنما هي من عند الله ، فهي بذاتها ليست حراما ، و لكن “صرفها” هو الذي يحدد صوابها من خطئها .

–        و كيف ذلك ؟

–        ما أصل الغاية من خلق الإنسان ؟

–        ” و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون “

–        أحسنتِ . فالأصل في أفعال العباد ظاهرا و باطنا أن تصرف لمن ؟

–        خالصة لوجه الله تعالى وحده .

–        بالضبط . و من هنا تسمو مشاعر المؤمنين عن مشاعر الغافلين . فالمؤمن يغضب لانتهاك محارم الله ، يحزن على تقصيره في إرضاء الله ، يفرح لطاعة الله و يطمئن بها .

و المؤمن يحب . لأن حب الله و رسوله هذا من صميم الدين و تمام الإيمان ، و هو أسمى و أعظم أنواع الحب . و الحب قد ورد في القرآن الكريم أكثر من مرة ، حب الله تعالى و حب الرسول الحبيب صلى الله عليه و سلم ( تهمس زهرة : عليه الصلاة و السلام ) و حب المؤمنين ، وورد كذلك في أحاديثه صلى الله عليه و سلم:

( أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله والمعاداة في الله , والحب في الله والبغض في الله عز وجل )  ( صحيح الجامع 2539)

 

–        و ماذا عن حب الوالدين و الأقربين و الأزواج و الأصدقاء ؟

–        المؤمن يحول العادات إلى عبادات باستحضار النية الخالصة لوجه الله تعالى ، فتصير حتى النومة إذا نامها ينوي بها التقوي على طاعة الله حال الاستيقاظ ، و الحفاظ على الأمانة التي أوكلها الله به و هي جسمه ، نال ثوابها . على عكس من نام لأنه الطبيعي أن ينام ! و قيسي على ذلك .

–        إذن أحب والدي ليس لأن الطبيعي أو الواجب أن أحبهما ، و لكن لأبنتغي بحبهما و برهما القرب من الله و تحصيل رضاه تعالى برضائهما عني .

–        أحسنتِ

–        و كذالك الزوج ، أحبه لا حبا خالصا لذاته هو ، بل ينبغي أن أرتقي و أحبه في الله ، أي أحب طاعته لله و خشيته من الله و إعانته لي على طاعة الله ، و أبتغي برضاه و سعادته رضا الله ، و إن خالفني زوجي أو أخطأ ، لم أبغضه و لا أسيء إليه ، بل أعفو عنه لوجه الله وحده ، اي تكون كل معاملاتنا موجهة أولا و أخيرا خالصة لله وحده.

–        تماما ، بارك الله فيك .

–        و لكن أليس من الصعب تفريق المشاعر بالذات بحيث أتأكد أنها “خالصة” لله ؟

–        لا يضيع الله عمل من يجاهد في سبيله : ” و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين ” . صحيح أنه صعب لكن ليس مستحيلا ، بتجديد النية ، و بناء التعامل على أساس ” ما يرضي الله أولا ” و ليس ” هواي ” أو ” كرامتي ” ـ و ما إلى ذلك أولا .

–        سبحان الله ! تصوري أنني أحفظ هذه الأمور متفرقة ، و لكن بتجميعها مع بعضها هكذا ، تتجلى لي صورة الحب الرائعة الواضحة في ديننا الحنيف .

–        ليس ذلك بالأمر المستغرب عزيزتي . بل حتى لو قسناها “بالعقل” ، تجدي أن دين الإسلام إنما هو تشريع الله تعالى و صبغته التي ارتضاها لخلقه ، فالله خلقنا و يعلم مشاعرنا و احتياجاتنا ، و خالقنا هو الذي ارتضى لنا ديننا ، , أكمله لنا ، و أتم علينا نعمته ، فلا ريب أن يجد من يلتزم به سبيل الطمأنينة في الحياة . الإسلام ليس طريقة حياة ، أو نمط معيشة ، بل هو الحياة .. الحياة بعينها .

–        (مبهورة) صحيح ، صحيح !

–        بل أزيدك من حديث الحب ! و ليس أحب من حديث الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام نستزيد منه . ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله …… ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ……. )  رواه البخاري1423 ومسلم

وما دين الإسلام إلا الحب في الله والبغض في الله , لأن القلب لا بد له من التعلق بمحبوب , ومن لم يكن اللّه وحده له محبوبه ومعبوده فلا بد أن يتعبد قلبه لغيره , وذلك هو الشرك المبين , فمن ثم كان الحب في اللّه هو الدين . قال اللّه تعالى { قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه } آل عمران 31

( من أحب أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله )  ( حسن ) صحيح الجامع 5958

–        إذن كانت هذه هي الوجهة الصحيحة لصرف تلك المشاعر النبيلة السامية ، فهل يمكن أن يكون الحب سببا في غضب الله ؟

–        هكذا نأتي إلى ما يسمى “التعلق” ، أو “داء العشق” . و من ذلك التعلق بمعصية أو ذنب ، كالتدخين أو شرب الخمر أو الإدمان أو مشاهدة الصور الخليعة و الجري وراء المفاسد ، و كثيرون من المبتلون بها يخطئون فيقولون ” أحب ” ، أي أحب السيجارة أو الخمر .. و العياذ بالله ، و ذاك ليس حبا ، بل هو تعلق كاذب من نزغ الشيطان يصوره في صورة حيوية لا يستطيع أسيرها منها فكاكا ، بل قد يتحول لمعبود لها ، يسوقه هواه ، و تقوده شهواته . و ما كان من داء العشق ، فهو من تعلق القلب بغير الله ، ليس لله ، كتعلق فتاة بممثل أو مغن ، لمجرد الافتتان بشكل أو صوت ، و ربما العكس ، أو ما صار منتشرا بظاهرة الحب الإلكتروني أو الحب على الإنترنت ، من خلال المراسلات و الشات و المنتديات ، و تبدأ بعدها اتصالات و لقاءات ، أو ربما يتوقف الأمر عند حدود التراسل الإلكتروني و تبادل كلمات غرام لا أساس لها ترتكز عليه . فيتعلق قلب أحد الطرفين بالطرف الثاني الذي يراسله و لربما يتوهم خططا للزواج في أفضل الأحوال ، أو للقاء السري في أخسها .

–        يا لطيف !

–        الحمد لله الذي عافانا من هذا . و الآن ، هل اكتفيت ؟

–        ماذا تعنين ؟

–        أعلم أنك تحاولين المماطلة ! تعابير وجهك تكشفك !

–        ( تخفض بصرها حياء )

–        ( بتلطف ) لو أنك لا تودين إخباري فلا بأس ، لن أصر عليك .

–        ( ترفع رأسها و تأخذ بيدي ) لا لا ليس الأمر هكذا . و يعلم الله أنني ما جئتك إلا لأنني أحتاج من أستشيره و أثق فيه .

–        ( شددت على يديها بدوري و ابتسمت ) و أنا كلي آذان صاغية لك عزيزتي .

–        إنني أعرفه منذ ثلاث سنوات ! منذ كنا في السنة الأولى في الكلية !

–        ( بتوجس ) تعرفينه ؟؟!

–        (باستدراك خجول ) أعني أنني كنت أراه من بعيد ! ( ترفع رأسها في تأكيد ) بالطبع لست ممن يحدقون في الرجال ، فأنا أغض بصري فورا ، و لكن .. ( تخفض عينيها إلى الأرض و يحمرّ خداها ) و لكن هو بالذات ، أعني شئ فيه جذبني من أول مرة ! صحيح أنني أغض بصري دوما و أتحاشى لقاءه ، لكنني .. أنا .. (سكتت في حياء )

–        ( همست استحثها أن تبوح ) تفكرين فيه ؟

–        (رفعت رأسها كم وجد طوق النجاة ) نعم ! ( عادت تخفض بصرها و تعبث بسجاد المصلى ) إنه مختلف ، لا يمشى مع الفتيات ، خلوق و مهذب ، بل و مجتهد كذلك ، و يحافظ على صلاة الظهر في المصلى هنا و لا يؤجلها حتى العودة . .و . ..

–        ( ابتسمت أغمزها بلطف ) عرفت كل هذا عنه  ؟؟!

–        ( رفعت رأسها في فزع كمن يدفع عنه تهمة ) لا والله لم أكن أقصد تتبعه ، لكن ، تعلمين أننا في نفس القسم ، و الكلية صغيرة ، فكنت أاراه عفوا ، صديقيني !

–        (ربت على كتفها في تفهم ) أفهمك و أصدقك

–        ( تخفض رأسها و تهم بقول شئ ثم تتراجع )

–        ( وضعت يدي على يديها المرتجفتين ) و همست : لا عليك ، قولي كل ما تشائين ، و ثقي أنني بإذن الله أتفهمك

–        ( رفعت إلي عينين دامعتين ) و قالت : أنا ممتنة لك !

–        ( أخذت بيديها و شددت عليهما ) أتبكين يا زهرة ؟!

–        ( خفضت رأسها و تحدرت دمعة على خدها الملتهب ) لقد .. حصل موقف أمس .

–        ( بقلق ) خيرا ، ماذا حدث ؟

–        بعد انتهاء المحاضرة يوم أمس ، كان عدد الحضور كبيرا و الغرفة ضيقة ، فتزاحم الطلاب على الباب ، و إذا بشخص لا أدري شابا أم شابة دفعني فوقع مني كشكول المحاضرات و تدافعته الأقدام بعيدا عني ، وقفت على جانب أنتظر عبور الأفواج و قد وقر في نفسي أن الكشكول هالك لا محالة ، و بعد خروج الطلبة – أو بالأحرى جماعة الهمج –  وجدت .. وجدتـ.. ( ثم أمسكت عن الكلام )

–        وجدته  ؟

–        ( تحدرت دمعة أخرى و أومأت برأسها ) واقفا أمامي !

–        ( ربت عليها أهدئها ) ثم ماذا ؟ هل آذاك بكلمة ؟

–        ( رفعت رأسها في استنكار ) آذاني ؟ على العكس ، كانت قمة في التهذيب لم أتوقع لشد ما رأيته من سوء معاملات الشباب أن أجد واحدا يتمتع بمثله ، كان يمسك كشكولي و قد نفض عنه التراب ، ارتبكت عند رؤيته و تلونت بشتى الألوان ، فارتبك هو الآخر و مد يده بالكشكول ، و .. و قال ..

–        ماذا قال ؟ ماذا قال ؟

–        (خفضت رأسها و ابتسمت في حياء ) قال ” تفضلي يا آنسة “ !

–        ( في خيبة أمل ) فقط ؟

–        ( متعجبة ) فقط ؟ و ماذا كنت تريدينه أن يقول ؟

–        ( رجعت إلى الوراء بظهري و تنهدت ) لقد أوقفت كل شعرة في رأسي بأسلوبك هذا ! حسبته طلب يدك للزواج !

–        ( نظرت إلي طويلا ثم خفضت بصرها في خيبة كذلك )

–        ( استدركت في تلطف ) لا تبتئسي هكذا ، لكن ..

–        ( في لهفة ) ماذا ؟

–         قصدت .. أعني .. ربما .. ( ثم أمسكت عن الكلام و نظرت لها نظرة فهمت مغزاها )

–        ( نظرت إلي طويلا ثم نكست رأسها أخيرا ) لقد ضخمتُ الموضوع .. أليس كذلك ؟ ( ثم ابتسمت في سخرية مريرة ) لقد ظللت طوال اليوم أفسرها كما يحلو لي ، و أسبغ عليها من التأويلا ت ما أعلم علم اليقين أنه لا يعدو مشاعر داخلية .. أنه وهم من صنعي أنا .. مشاعري أنا . ( ثم خانها تجلدها ، فتحدرة جمانة كبيرة على خدها ، تبعها جيش من أخواتها يؤازرنها )

–        ( اقتربت منها و أخذت بيديها الباردتين ) هوني عليك يا زهرة !

–        ( رفعت إلي عينين مغرورقتين بالدموع ) أيغضب الله مني ؟؟

–        !!!!!!!!

–        أخاف أن يكون الله غاضبا علي !

–        و لم يا زهرة ؟

–        لأنني .. لأنني أحبه ! ( تشدّ على يديّ ) هل هذا خطأ ؟ هل يغضبُ اللهَ ؟

–        ( وضعت كفي على خدها المبلل بدموعها الطاهرة ) يا زهرتي الحبيبة .. إنما هذه مشاعر قلبية في أصلها هبة من الله لا تملكينها ، يا حبيبتي إنما حبك هذا الحب الطاهر و الميل الطبيعي ، أليس الحبيب المصطفى يقول : ” الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، و ما تنافر منها اختلف ” ، فكل إلف و له أليفه ، و هذا الميل الفطري ، الذي يختلف عن حب ذوي القربى من الآباء و الإخوان ،  زرعه الله فينا ، ليكون الممهد للقبول بين الطرفين ، و من ثم الارتباط الوثيق و عقد الميثاق الغليظ . و أي حب بين الجنسين لا يكون في الله ، و لله ، و غايته الارتباط على سنة الله و رسوله ، هو ما يغضب الله تعالى .

–        و ما أدراني أن حبي هذا غايته الارتباط ؟ أو حتى له صدى عنده ؟

–         ما قدره الله سيكون من نصيبك فهو نصيبك !

–        ( ازدادت دموعها انهمارا ) أعلم ذلك و الله ! و لكنني .. صرت .. كثيرة التشتت مؤخرا ، كثيرة التخيلات . لا أدري كيف التصقت تلك الفكرة برأسي ، و لا كيف تأججت هذه المشاعر هكذا ، لم أعد أستطيع نزع حبه من وجداني ، صرت أسرح كثيرا و أفكر فيه كثيرا ، حتى و أنا أعلم أنه لا يفكر فيّ .

–        و كيف علمت هذا ؟

–        أوَيمكن أن يكون .. أعني .. أنه يبادلني الـ .. مشاعري ؟

–        الله أعلم ، و لم لا ؟

–        هذا مستحيل !

–        و كيف لك أن تتأكدي ؟

–        إنه لم يظهر شيئا خاصا حيالي ! اللهم إلا إذا كنت الوحيدة في الكلية التي التقط شاب لها كشكولها !

–        و ما الذي تريدينه أن يظهره ؟ من وصفك و كلامك ، يظهر و الله أعلم أنه ملتزم ، و في هذه الحال لا سبيل لإظهار مشاعره للفتاة التي يحبها إلا إن تقدم لأهلها ، و لن يتقدم قبل أن يستقر به الحال و يهيئ نفسه لتأسيس أسرته ، و بطبيعة الحال ليس الآن ، على الأقل ليس قبل أن ينهي السنة الأخيرة من الكلية .

–        ( في لهفة و أمل ) تعنين أنه سيتقدم لي ؟؟!

–        (نظرت طويلا في عينيها المنتفختين من البكاء و قد جمدت على خديها دمعتان كبيرتان ، و .. سكتّ )

–        ( في خيبة أمل ) صحيح .. الله أعلم من هي تلك الفتاة التي تشغل تفكيره ، هذا إن كان هناك واحدة !

 

سادت لحظات صمت بدت دهرا ، و ساد سكون إلا من أصوات أصابعنا تعبث بسجاد المصلى ، ثم كانت أول من شق حاجز الصمت ، سائلة في رجاء :

–        ماذا أفعل ؟

–        ( ظللت أنظر إلى الأرض و نظراتها مصوبة إلي ، ثم تنهدت أخيرا ) ليس هناك سوى حل واحد !

–        ( اقتربت مني بلهفة ) و ما هو ؟

–        يحتاج عزما و جهادا

–        سأعزم و أجاهد بإذن الله

–        و نفسا طويلا

–        ( أخذت نفسا عميقا ثم ابتسمت ) هكذا ؟!

–        ( ابتسمت لها و أخذت بيديها ) أجيبيني بصدق : أتعلمين الغيب ؟

–        ( بتعجب ) لا طبعا

–        و هل أعلم أنا الغيب ؟

–        لا طبعا

–        هل تملكين تصريف الأقدار ؟

–        بالتأكيد لا !

–        و هل أملك أنا تصريف الأقدار ؟

–        ماذا دهاك ؟! بالتأكيد لا !

–        إذن فلم لا تلجئين إلى علام الغيوب و مصرف الأقدار و مقلب القلوب ؟!

–        ( نظرت إلي طويلا ) ألجأ إليه ؟

–        ( نظرت إليها بثقة ) نعم إليه .. وحده . وجهي وجهك إليه سبحانه ! احكِ له كل ما يعتمل في نفسك ، هو وحده سبحانه بيده الأمر و إليه المرجع و المصير .

–        و نِعْمَ بالله .

–        نَعَم ، هو حسبي و حسبك و هو نِعْم الوكيل ، جئت تبوحين إلي و تعلمين أن ليس لي من الأمر شئ ، فكيف بمن بيده كل شئ ؟ كيف بمن بيمينه الإحياء و الإفناء ؟ كيف بمن بيده ملكوت السماوات و الأرض و خزائن السماوات و الأرض ؟ كيف بمن قلوبنا بين إصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء !

–        سبحانك اللهم و بحمدك ، حسبي الله ، حسبي الله و نعم الوكيل

–        و كذلك أكثري – حبيبتي – من الدعاء بدعاء الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام : ” اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ” ، ” اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على حبك و على طاعتك ” .

أتذكرين ذاك الدعاء الجميل الذي دعا به الشيخ العز بن عبد السلام لقظز في “واإسلاماه”  ؟

–        (تفكر) .. أجل أجل ، أذكره

–        هو ذاك ، ادعِ به كذلك في صلاتك  ” اللهم إنك تعلم أن في قلبي مضغة تهفو إلى إلفها ، في غير معصية لك ربي ، فاجمعني بها مولاي على ما تحب و ترضى ، على سنة حبييك و رسولك محمد “

–        ( تتهلل أساريرها ) نعم بإذن الله سأدعو بهذه الدعوات و أحافظ عليها كعينيّ

–        نعم أخيتي ، علقي أملك كله بالله ، و هو وحده لن يخذلك ، ثقي به تعالى ثقة مطلقة ، و الله تعالى لا يخلف وعده و لن يخيب عبدا رجاه . فوضي أمرك لله فيما لا تملكينه ، و اجتهدي أنت فيما تملكينه .

–        و ما ذاك ؟

–        اجتهدي في دراستك ، و في الرقي بأخلاقك و تعاملاتك ، نمّي ثقافتك ، و جاهدي لتكوني حاملة راية الإسلام ، و قوية للدفاع عن حصنك و حماية ثغرتك ، اجتهدي فيما يرقى بشخصيتك و قدراتك لتكوني زوجة صالحة و أما مؤمنة بإذن الله تعالى .

–        ( تبتسم في ثقة و عزم ) نعم بإذن الله سأفعل ، سأفعل .

–        لأجل من ؟

–        ( تنظر إلي في استفهام ثم تبتسم ) نعم سأفعل لأجل الله وحده ، خالصا لوجه الله وحده ، و ما يرضاه الله لي سأرضى به و لو لم يتفق مع هواي ، سأجاهد ليكون هواي تبع لما يحب الله و يرضاه فيه .

–        ( نظرت إليها باعتزاز ) أحسنت يا زهرة ، بارك الله فيك و أعزك و ثبتك .

–        ( تنهض فتحضنني ) و جزاك الله عني كل خير ، حملت عني عبئا ثقيلا ، فرج الله عنك كرب يوم القيامة

–        ( أحتضنها بدوري ) و إياك أختي الحبيبة ، و إياك .. زهرتي الناضرة .

 

 

( النهاية )

 

ما بعد النهاية !

 

تزوجت “زهرة”

 

نعم .. من ” فتى الكشكول ” (كما سميناه لاحقا ! )

 

تزوجت منه ، و هي الآن أم لثلاثة أطفال : نور الرحمن ، و هداية ، و سيف الدين

 

——————–

 

” و قال ربكم ادعوني أستجب لكم “

 

” و إذا سألك عبادي عني فإني قريب ، أجيب دعوة الداع إذا دعان ، فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون

 

” إلـى أين تذهب ؟ ألك رب سواي ؟ “

 

 

” يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم

 

يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم

 

يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم

 

يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً

 

فاستغفروني أغفر لكم

 

من يسأل الناس يحرموه      وسائل الله لا يخيب

 

و إذا شكوت إلى ابن آدم فكأنما     تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

 

**************

 

 

 

ذلك من فضل الله علينا و على الناس و لكن أكثر الناس لا يشكرون

 

الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله

 

أضف تعليق